التقنية والديمقراطية والذكاء الاصطناعي- تحولات السلطة والنفوذ العالمي
المؤلف: حسين شبكشي10.24.2025

في مطلع سبعينيات القرن العشرين، أصدر المفكر والكاتب الأمريكي البارز زبيجنيو بريجنسكي، والذي شغل لاحقًا منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مؤلفًا بالغ الأهمية، يسلط الضوء على الصلة الوثيقة بين التكنولوجيا والديمقراطية. لم يكترث لهذا الطرح العميق آنذاك سوى قلة قليلة من النخب العاملة في دوائر صنع القرار وبعض مراكز البحوث الإستراتيجية في الجامعات الأمريكية المرموقة. ومع مرور الأيام والأعوام، تجلى الأثر الملموس لهذه الرؤية الثاقبة من خلال الاستخدام الواسع النطاق لمنصات التواصل الاجتماعي المتنوعة خلال ما يعرف بفترة الربيع العربي. لقد كان توظيف التكنولوجيا في أحداث الربيع العربي بمثابة تجربة حية للاستفادة منها وتطبيقها على نطاق أوسع في كل من الصين وروسيا، وهي المسألة التي تنبه إليها المسؤولون في هاتين الدولتين العملاقتين، وسارعوا إلى اتخاذ إجراءات صارمة لحجب ومنع وتقييد ومراقبة منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام.
يسعى جمع غفير من المحللين والباحثين إلى إجراء مقارنة دقيقة بين الثورة الصناعية التي شهدها القرن الثامن عشر والثورة التقنية الهائلة التي نعيشها اليوم، والتي تشمل الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة؛ لأن الثورة التقنية في جوهرها تتضمن سلسلة مترابطة من الثورات المصغرة، ولعل أبرزها الثورة الإلكترونية التي قادت العالم بأسره إلى عصر الذكاء الاصطناعي. وهذا التطور المذهل يثير تساؤلاً جوهريًا ومُلِحًا: من هو المستفيد الأكبر من هذا التحول الهائل؟ في البدايات الأولى، كانت الإجابة السائدة تشير إلى أن ما يحدث هو في صالح عموم الناس؛ لأنه مع الانفتاح الكبير على الفضاء الإلكتروني الرحب، يصبح من المسلَّم به أن تتعدد الخيارات المتاحة وتنخفض التكاليف، بل وتصبح أقرب إلى المجانية بعد أن كانت تكاليف باهظة لا يتحملها إلا النخبة الميسورة.
هذا النوع المتقدم من التكنولوجيا مكّن أصحاب الأفكار الخلاقة والإبداعات المبتكرة من نشر مؤلفاتهم القيمة وبيع منتجاتهم المتميزة ومتابعة فرقهم الرياضية المحببة وملاحقة نجومهم المفضلين في عوالم الترفيه المتنوعة.
وتبين لاحقًا أن جميع المخاوف التي أثيرت حول قدرة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على نشر الفوضى والاضطرابات كانت سطحية وساذجة إلى حد بعيد، إذ اتضح جليًا أن السلطات تمتلك القدرة الفائقة على التحكم والسيطرة والتأثير في مجريات الأمور. ولعل المثال الأوضح على صحة ذلك هو ما قامت به الصين من فرض سلطاتها وشروطها الصارمة على كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل غوغل وفيسبوك، واشترطت أن يكون «الخادم» موجودًا داخل الأراضي الصينية، وأن تكون جميع الأدوات المستخدمة صينية الصنع. وهذا يعني بوضوح أن الصين بذلك قد أحكمت سيطرتها الكاملة على المضمون.
بيد أن مشكلة جديدة بدأت تلوح في الأفق أمام السلطات، وتكمن في التدفق الهائل للمعلومات التي تحصل عليها من مختلف أنحاء العالم، والتي تتضمن معلومات بالغة الأهمية، ولكنها غالبًا ما تضيع في بحر المعلومات الأخرى الهائل. ففيما يتعلق بهجمات نيويورك وواشنطن المروعة في عام 2001، تبيَّن أن الأجهزة الأمنية كانت تمتلك معلومات دقيقة للغاية عن منفذي العمليات الإرهابية، ولكنها كانت مفقودة وسط الكم الهائل من البيانات.
من هنا، يبرز الدور المحوري للذكاء الاصطناعي الذي جاء لينقذ السلطات من طوفان المعلومات المتدفق. علاوة على ذلك، فقد أدى الذكاء الاصطناعي إلى تطور هائل في إدارة الحروب والصراعات. ففي غزة وجنوب لبنان، استخدمته إسرائيل على نطاق واسع، واعتمدت في لبنان على «البيانات الضخمة» التي تمتلكها عن أصحاب السيارات ولوحاتها لتحديد هوية الأشخاص المستهدفين بدقة. كذلك، تجدر الإشارة إلى الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في حرب الطائرات المسيَّرة، حيث نشهد اليوم تحولًا جذريًا في إدارة العمليات العسكرية، وما يترتب على ذلك من انعكاسات ونتائج بعيدة المدى. وعلى أي حال، فإن للذكاء الاصطناعي تطبيقات متنوعة وشاملة على جميع الأصعدة والمستويات، وسوف يتعاظم دوره وتأثيره أكثر فأكثر في المستقبل القريب.
يسعى جمع غفير من المحللين والباحثين إلى إجراء مقارنة دقيقة بين الثورة الصناعية التي شهدها القرن الثامن عشر والثورة التقنية الهائلة التي نعيشها اليوم، والتي تشمل الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة؛ لأن الثورة التقنية في جوهرها تتضمن سلسلة مترابطة من الثورات المصغرة، ولعل أبرزها الثورة الإلكترونية التي قادت العالم بأسره إلى عصر الذكاء الاصطناعي. وهذا التطور المذهل يثير تساؤلاً جوهريًا ومُلِحًا: من هو المستفيد الأكبر من هذا التحول الهائل؟ في البدايات الأولى، كانت الإجابة السائدة تشير إلى أن ما يحدث هو في صالح عموم الناس؛ لأنه مع الانفتاح الكبير على الفضاء الإلكتروني الرحب، يصبح من المسلَّم به أن تتعدد الخيارات المتاحة وتنخفض التكاليف، بل وتصبح أقرب إلى المجانية بعد أن كانت تكاليف باهظة لا يتحملها إلا النخبة الميسورة.
هذا النوع المتقدم من التكنولوجيا مكّن أصحاب الأفكار الخلاقة والإبداعات المبتكرة من نشر مؤلفاتهم القيمة وبيع منتجاتهم المتميزة ومتابعة فرقهم الرياضية المحببة وملاحقة نجومهم المفضلين في عوالم الترفيه المتنوعة.
وتبين لاحقًا أن جميع المخاوف التي أثيرت حول قدرة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على نشر الفوضى والاضطرابات كانت سطحية وساذجة إلى حد بعيد، إذ اتضح جليًا أن السلطات تمتلك القدرة الفائقة على التحكم والسيطرة والتأثير في مجريات الأمور. ولعل المثال الأوضح على صحة ذلك هو ما قامت به الصين من فرض سلطاتها وشروطها الصارمة على كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل غوغل وفيسبوك، واشترطت أن يكون «الخادم» موجودًا داخل الأراضي الصينية، وأن تكون جميع الأدوات المستخدمة صينية الصنع. وهذا يعني بوضوح أن الصين بذلك قد أحكمت سيطرتها الكاملة على المضمون.
بيد أن مشكلة جديدة بدأت تلوح في الأفق أمام السلطات، وتكمن في التدفق الهائل للمعلومات التي تحصل عليها من مختلف أنحاء العالم، والتي تتضمن معلومات بالغة الأهمية، ولكنها غالبًا ما تضيع في بحر المعلومات الأخرى الهائل. ففيما يتعلق بهجمات نيويورك وواشنطن المروعة في عام 2001، تبيَّن أن الأجهزة الأمنية كانت تمتلك معلومات دقيقة للغاية عن منفذي العمليات الإرهابية، ولكنها كانت مفقودة وسط الكم الهائل من البيانات.
من هنا، يبرز الدور المحوري للذكاء الاصطناعي الذي جاء لينقذ السلطات من طوفان المعلومات المتدفق. علاوة على ذلك، فقد أدى الذكاء الاصطناعي إلى تطور هائل في إدارة الحروب والصراعات. ففي غزة وجنوب لبنان، استخدمته إسرائيل على نطاق واسع، واعتمدت في لبنان على «البيانات الضخمة» التي تمتلكها عن أصحاب السيارات ولوحاتها لتحديد هوية الأشخاص المستهدفين بدقة. كذلك، تجدر الإشارة إلى الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في حرب الطائرات المسيَّرة، حيث نشهد اليوم تحولًا جذريًا في إدارة العمليات العسكرية، وما يترتب على ذلك من انعكاسات ونتائج بعيدة المدى. وعلى أي حال، فإن للذكاء الاصطناعي تطبيقات متنوعة وشاملة على جميع الأصعدة والمستويات، وسوف يتعاظم دوره وتأثيره أكثر فأكثر في المستقبل القريب.
